آلبير كامي.
. من الكتاب الجزائريين من أصل فرنسي.
ولد بالجزائر ودرس بها حتى تخرج من جامعتها ليلتحق بالصحافة ويعمل بها.
أبدع أجمل أعماله بهذا البلد الذي ظل يعتبره بلده الأجمل
والأكثر بهاء لكنه جزء من الإمبراطورية الفرنسية .
كتب (كامي) عددا من الأعمال الأدبية التي صنعت تاريخه ككاتب وكمفكر
من خلال فكرتي الحرية والعبث اللتين برع في التعبير عنهما.
العبث إذن وفراغ الحياة واللا جدوى من العالم
واللامبالاة حياله هي كل ما ميز كتابات (كامي) الروائية والمسرحية منها.
صدرت رواية - L'étranger -أو -الغريب-كما ترجمت عام 1943.
وشدت إليها النقاد والباحثين انطلاقا من الموضوع الذي طرحته.
رواية (الغريب)، أشهر ما كتب (كامي)..
رواية تحمل الكثير من المعاني رغم افتقادها للعواطف بحسب الدارسين لها.
تقع الرواية في جزأين
. يحوي الجزء الأول ستة فصول
ويحوي الجزء الثاني خمسة فصول.
وتقوم الرواية على شخصية محورية ممثلة في البطل الذي يروي أحداثها
(ميرسوMeursault )
.شاب في الثلاثينات من العمر لا أحد له إلا والدته.
جسد لنا (مورسو) بطل هذه الرواية أفكار اللامنتمي الوجودي، وقد بدا لنا إنسانا غريبا،
تدهشنا تفاصيل حياته، التي تبدو لنا بعيدة عن المألوف، إذ كان إنسانا مجردا من العواطف
، لا يبالي بالمشاعر والعادات المتعارف عليها، لذلك يصدم العرف الاجتماعي بتصرفاته التي
تبدو نابعة من غربته عن الحياة الاجتماعية (حين ماتت أمه التي وضعها في ملجأ ،
ولم يرها منذ سنة، يبدو غير مبال، لم يبك، ولم يطلب رؤيتها من أجل وداعها
، وحين جلس أمام التابوت لم يلفت نظره سوى الغطاء والمسامير ولون الخشب، بل نجده
على غير المعتاد يدخن ويشرب القهوة، وحين تبكي صديقة أمه يزجرها منـزعجا)
بعد دفن أمه أول ما يفكر به هو نزهة، وفعلا يذهب في اليوم التالي إلى البحر بصحبة صديقته (ماري)
التي لا يحس نحوها بأية عاطفة خاصة رغم أنه يقضي معها معظم أوقات فراغه، وحين تسأله إن كان
راغبا بالزواج بها؟ يجيبها: إذا كنت تريدين!! وتسأله إن كان يحبها؟ يجيبها بأنه لا يحبها!
! فتسأله لمَ يريد الزواج بها إن كان لا يحبها؟ فيجيبها هذا الأمر لا يشكل لدبه أية أهمية!!
إلا أنها هي التي ترغب فيه، عندئذ تسأله إن كان سيقبل هذا العرض من امرأة أخرى
فيجيبها هذا أمر طبيعي!!!
وفي مجال العمل لا نجد لديه أي طموح لتحسين وضعه، لذلك يبدو غير مهتم بأن ينقل إلى
مكان أفضل في العاصمة (باريس)!
تقوده لا مبالاته إلى ارتكاب جريمة قتل! دون مبرر! إذ يرتكب جريمة قتل (عربي) في إحدى نزهاته
، وحين يسأل عن دافع جريمته يجيب ببساطة: إن الشمس كانت حادة أثناء سقوطها على جبينه
والمدهش أنه لا يبحث مع محاميه عن أسباب مخففة!! فيرفض أن يدعي أن الحادث قد وقع
إثر وفاة أمه، كذلك لا نجده يعاني أزمة ضمير بعد ارتكاب الجريمة (مثل راسكولينكوف) فهو
لا يستطيع أن يأسف لأي شيء، إنه بعيد عن عالم الروح أو الأحاسيس الإنسانية أو المبادئ
الأخلاقية، فقد نبذ الأصنام أي المثل العليا، لهذا بدا غريبا! يتصرف وكأن العلاقات الإنسانية لا تعنيه،
فيرفض كل المسؤوليات المترتبة عن هذه العلاقات، كما يرفض أن يكذب، وأن يلعب اللعبة الاجتماعية
التي تقوم على النفاق، إنه يعيش ما يحس، يرفض كل ما ينغص حياته الحاضرة التي لا يؤمن بحياة سواها!.
إنه إنسان ملحد! يرفض المفاهيم الدينية (الخطيئة، الندم، التوبة…) لذلك يعني الموت لديه موتاً جسدياً وروحياً!
فهو يرفض لقاء كاهن السجن الذي جاء للحديث عن الغفران ومع ذلك يحاول محاورته ويبين له
أنه يحمل نفسه ما لا طاقة للإنسان باحتماله، عندئذ يحس (مورسو) أن الكاهن قد بدأ يزعجه،
فيرفض حتى معانقته!!.
لا نستطيع أن نقول إن هذا البطل كان مجردا من العواطف تماما، فقد أخرجته الطلقة عن بعض سلبيته،
بضع لحظات، لذلك يقول "أدركت أنني هدمت توازن النهار، ذلك الصمت الغريب في ساحل كنت سعيدا فيه"
إن إحساسه بالعبث يبدو طاغيا على أي لحظات ضعف بشرية، إذ كل شيء مآله الفناء، فلمَ البكاء على أمه الميتة
؟ لمَ الرثاء لموته هو نفسه؟ إنه لا يختلف عن غيره من البشر، كلهم محكوم عليهم بالموت مثله،
غير انه يعلم روعة الحياة ويدرك طبيعة الموت التي لا تبرير لها، باتت جريمته وكشفها سيان لديه!
لقد هدم حياة إنسان وهاهو ذا يُهدم، وهذا الهدم لا تفسير له ولا عذر، ولا تعويض، والساعات
المبرحة التي قضاها في تعذيب نفسه قد انتهت، لسوف يذهب إلى موته سعيدا متحديا جليّ الذهن
فهاهو ذا يقول ليلة تنفيذ حكم الإعدام "كأن انفجار غضبي (على الكاهن) طهّرني من كل شر،
أفرغت من كل أمل، وقد وقفت وجها لوجه إزاء ليل مثقل بالعلامات والنجوم، وسلّمت نفسي إلى عدم
الاكتراث الكوني البديع، لقد كان شعوري بذلك كشعوري بنفسي، مما جعلني أدرك أنني كنت سعيدا،
وأنني مازلت سعيدا…الأمل الوحيد الذي بقي لي، كي أقلل من شعوري بالوحدة أن يزدحم المكان ساعة
إعدامي بأكبر عدد من المتفرجين، وأن يستقبلونني بالسباب واللعنات"
إن جوهر العبث في قضية مورسو كما يقال يكمن في "أنه نتيجة لعدم اكتراثه، انضم إلى العنف والموت،
لا إلى الحب والحياة، إنه لم ينطق بأي سؤال فأخطأ خطأ فاحشا…وهكذا فإن كامو يوحي في"الغريب"
بأن الإنسان في وجه العبث يجب ألا يبقى ضمن وجود سلبي، فالإخفاق في التساؤل حول فرجة الحياة
إنما هو الحكم على أنفسنا كأفراد وعلى الدنيا بالصيرورة إلى لا شيء"
وهكذا نلاحظ سيطرة مقولات الوجودية على شخصية (مورسو) الذي بدا غير منتم إلى قيم مجتمعه،
رافضا لما هو مألوف، فقد انطلق من ذاته، لهذا نبذ أي انفعال يمكن أن ينغص حياته، ويهدر حيويته،
وبهذا يدور حول ذاته ليحقق أكبر سعادة ممكنة بغض النظر عن الآخرين، فلا يهمه حياتهم ومشاعرهم،
مادام الموت مصير الإنسان لذا لابد أن يسيطر عليه إحساس بالعبث الوجودي،
الذي يعززه الإلحاد من جهة والتطرف من جهة اخرى